من رحمة الله بنا أنه أرسل لنا النبي الأكرم، صاحب الأثر الأعظم، الصادق الأمين، من أفنى حياته ليرشدنا ويعلمنا لنسير على الصراط المستقيم والهدي القويم، ذاك القلب الذي كان بالمؤمنين رؤوف رحيم، من سار على هديه أفلح، ومن حاد عن دربه هلك.
في رحاب قلب الحياة النبوية نسير على الخطى ونتقفّى الأثر، ونستلهم من سيرته ونسأل: لماذا نحب النبي ﷺ؟
جاء بخير دين
فهو الكامل صاحب دين التوحيد، أخرجنا من الظلمات إلى النور بإذن ربه، من جبل الصفا، من الطائف، من مكة وإلى المدينة، سار هنا وهناك، وأرسل هذا وذاك، في شتى بقاع الأرض لينشر الإسلام.
أفنى النبي ﷺ عمره في نصح أمته، ودعوتها إلى عبادة الله سبحانه وتعالى الواحد الفرد الصمد، وباتباع سنته والسير على نهجه ﷺ، وبذلك يكمل الفلاح، وبه ينجو المؤمن من الهلاك.
يحشر المرء مع من أحب
“أعطني عينيك التي رأيت بهما رسول الله ﷺ حتى أقبّلها”، تلك العبارة العريقة التي قالها ثابت البناني لأنس بن مالك، أي حب كان يكنّهُ ثابت للنبي ﷺ؟ لقد غرس حبه في قلبه، وسكن فيه، حتى تعلق بكل ما تعلق بالنبي ﷺ.
نحب النبي لجميل خلقته وخلقه، فقد كان أجمل الناس خلقًا وأعظمهم أخلاقًا، قال النبي ﷺ للرجل الذي قال إنه يحب الله ورسوله”المرءُ معَ مَن أحبَّ، وأنتَ معَ مَن أحببتَ”. يالفرحة المسلمين بهذا الخبر!
حين اتخذ النبي ﷺ المنبر حن الجذع وبكى، وهو جماد، فكيف لا نشتاق؟!
سفير الله
لأن الجنة هي المراد وهي الغاية الكبرى، فالنبي ﷺ سفير من الله لنا، هو المبعوث من قِبل الله لنا، يرشدنا إلى طريق الجنان، والوصول إلى الجنان لا يكون إلا بالسير على خطاه واتباع سنته.
انظر إلى علي بن أبي طالب كيف خاطر بنفسه ونام في فراش النبي ﷺ يوم الهجرة، لأي درجة كان يحبه ويطيعه ليقوم بهذه المهمة الخطرة؟
بالمؤمنين رؤوف رحيم
وليس مع المؤمنين فقط، بل مع الإنس والجن ومع أمته، بل ومع أصحاب الديانات الأخرى، فها هو في مكة عند فتحها وحينما سأل قريش ما ترون إني فاعل فيكم؟ قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم. فقال ﷺ: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
رحمته ﷺ بالأيتام ووصّيته على اليتيم: “أنا وكافل اليتيم في الجنَّةِ كَهَاتَيْنِ” وأشار بإصبعيه.
أكرم أمته بشفاعته ودعوته المستجابة فقال: “لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجابَةٌ يَدْعُو بها، وأُرِيدُ أنْ أخْتَبِئَ دَعْوَتي شَفاعَةً لِأُمَّتي في الآخِرَةِ”، فكيف لا نحبه؟!
لأنه من كمال الإيمان
“لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين” هكذا أعلنها رسول الله ﷺ، وهكذا كلمات مرت علينا مرور الكرام، لكن لم تكن كذلك مع أبي بكر وعمر وأمثالهم، فهم كانوا صادقين في حبهم للنبي ﷺ، أفنوا حياتهم في اتباع سنته، وآثروا رضاه ﷺ على هواهم، فكان من كمال إيمانهم.
لأنه يحبنا
يحبنا ويشتاق إلينا، النبي ﷺ ذات مرة مرّ على مقبرة وقال: “السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا» قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ”، يحبنا ويخاف علينا من النار، ومن كمال رحمته وشفقته علينا أنه يوم القيامة كلٌ منا يقول نفسي نفسي إلا هو ﷺ يقول أمتي أمتي.
مع الذين تفقهوا أن الغاية حبه، ولقاءه على الحوض، ومجاورته في الفردوس الأعلى، كنا في رحلة إلى حياة النبي نستكشف ونبحث ونقرأ، نعيش معه، مع قلبه ويومه وتعامله، نرى مظاهر رحمته وعطفه، ونتبصّر ذلك القلب العظيم.